في ملتقى كهرمانة.. نساء العراق يطالبن بأمان حقيقي وتعزيز دورهن في صنع القرار

في ملتقى كهرمانة.. نساء العراق يطالبن بأمان حقيقي وتعزيز دورهن في صنع القرار
جانب من الحضور في ملتقى كهرمانة

شهدت العاصمة العراقية بغداد انعقاد ملتقى وطني نوعي نظمته منظمة كهرمانة لتمكين المرأة تحت عنوان “ميثاق الأمان”، بمشاركة واسعة من القيادات النسوية السياسية والمدنية وممثلي منظمات المجتمع المدني، في خطوة هدفت إلى إعادة فتح النقاش الوطني حول قضايا الأمان والعدالة والتمكين الحقيقي للنساء، وربطها بشكل مباشر بمسار الاستقرار والتنمية في العراق.

جاء الملتقى الذي عقد يوم أمس الجمعة بوصفه مساحة حوار جامعة لصانعات القرار والناشطات والفاعلات في الشأن العام، حيث سعى إلى تقديم ميثاق الأمان بوصفه إطاراً وطنياً جامعاً لحماية النساء من جميع أشكال العنف، وضمان مشاركتهن الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. 

وركزت محاور الملتقى على بناء سياسات أكثر حساسية للنوع الاجتماعي، وتعزيز التنسيق بين القيادات النسوية والمؤسسات المدنية، إلى جانب العمل على تشكيل تحالفات داعمة لحقوق المرأة وتوسيع حضورها في مواقع صنع القرار وفق وكالة أنباء المرأة.

الأمان مسؤولية وطنية

أكدت مسؤولة البحث والتطوير في منظمة كهرمانة وعضو تحالف ندى بغداد رأفة عباس علي، خلال إدارتها للملتقى، أن الأمان ليس مطلباً نسوياً فحسب بل مسؤولية وطنية مشتركة، وشددت على أن التغيير يبدأ برفض العنف والخوف باعتبارهما معوقين أساسيين أمام مشاركة وتمكين المرأة في المجتمع، وأوضحت أن رسالة الملتقى تنطلق من الإيمان بحق النساء في حياة آمنة تُسمع فيها أصواتهن وتحترم كرامتهن، مؤكدة أن وجود المرأة قوة حقيقية وأن مستقبلها حق أصيل لا يقبل المساومة.

من جانبها، أوضحت المحامية والناشطة في مجال دعم حقوق المرأة أسيل جمال الربيعي أن تمكين النساء في العراق لم يعد خياراً ثانوياً أو ملفاً مؤجلاً، بل يمثل ضرورة حتمية لبناء دولة مستقرة وعادلة وآمنة، مشيرة إلى أن التمكين الحقيقي يقاس بالأثر الميداني والعمل المستدام، وليس بعدد المؤتمرات أو الشعارات المرفوعة.

ولفتت إلى أن تعزيز مشاركة النساء في العمل السياسي والمدني، وبناء قدرات القيادات النسوية، والدفاع عن الحقوق، وترسيخ مفاهيم الأمان والعدالة والمساءلة، تشكل ركائز أساسية لأي مشروع وطني جاد.

الاستقلال الاقتصادي 

وأكدت الربيعي أن الاستقلال الاقتصادي يمثل حجر الأساس في تمكين المرأة، مشددة على أنه لا يمكن الحديث عن أمان حقيقي دون قدرة اقتصادية تضمن للمرأة حرية القرار، وأضافت أن المشاركة السياسية الفاعلة تظل منقوصة ما لم تكن مدعومة بفرص اقتصادية عادلة تتيح للنساء الاستقلال والاعتماد على الذات. 

واعتبرت أن ميثاق الأمان يمثل دعوة وطنية وأخلاقية لوضع المرأة في صلب السياسات العامة، مؤكدة أن إشراك النساء في صنع القرار هو الضمانة الحقيقية لبناء مجتمع متماسك ودولة قوية.

وتناولت الدكتورة عبير محمد ممثلة نادية العلوية تصاعد ظاهرة العنف ضد النساء في المجتمع العراقي، معتبرة أن هذه الظاهرة تفاقمت نتيجة عوامل دخيلة على البنية الاجتماعية، موضحة أن العنف لا يقتصر على نطاق الأسرة، بل يمتد إلى بيئة العمل والفضاء العام، من العنف الزوجي إلى تعنيف الموظفات داخل المؤسسات، وصولاً إلى الإساءة اللفظية التي تتعرض لها النساء في الشوارع. 

وأكدت أن هذه الممارسات باتت تشكل خطراً اجتماعياً يستدعي مواجهة جادة عبر التوعية والتثقيف منذ المراحل العمرية المبكرة، مشددة على أن كرامة المرأة جزء لا يتجزأ من كرامة المجتمع كله.

وتناول الملتقى في جلسة حوارية موسعة واقع مشاركة النساء في صنع القرار، تحت عنوان: “نساء على طاولة القرار نحو ميثاق أمان وطني”، وأدارتها المحامية مروة عبد الرضا رئيسة منظمة لأجلها، وناقشت الجلسة التحديات التشريعية والمجتمعية التي تعوق وصول النساء إلى مواقع التأثير، إضافة إلى سبل تعزيز حضورهن في المؤسسات التشريعية والتنفيذية.

إخفاق في حماية المرأة

وفي هذا السياق، انتقدت النائبة والسياسية سروة عبد الواحد الأداء التشريعي لمجلس النواب في دورته الخامسة، معتبرة أنه لم يرقَ إلى مستوى التحديات المجتمعية. وأشارت إلى أن الدورات البرلمانية السابقة لم تمنح التشريعات المتعلقة بالأسرة والمرأة الاهتمام الكافي، مؤكدة أن البرلمان أخفق في تشريع قانون مناهضة العنف الأسري، كما لم يجرِ تعديلات منصفة على قانون الأحوال الشخصية.

وأضافت أن العديد من القوانين ما زالت تصب في مصلحة السلطة على حساب المجتمع، وأن ضعف دعم الأحزاب السياسية يمثل معوقاً رئيسياً أمام إقرار تشريعات منصفة، معربة عن تشاؤمها إزاء إحداث تغيير جوهري في المستقبل القريب.

من جهتها، سلطت المحامية طيبة أحمد الضوء على التناقض القائم بين النصوص الدستورية والقوانين النافذة في العراق، موضحة أن الدستور العراقي يتضمن مواد تحمي الإنسان وتجرم العنف، إلا أن بعض القوانين الأخرى تتعارض مع هذه المبادئ، وأشارت إلى أن قانون العقوبات يتضمن نصوصاً تبيح ممارسات تندرج ضمن العنف الأسري، أو تخفف العقوبات في قضايا خطيرة، ما يكشف عن فجوة قانونية واضحة.

وأضافت أن العراق موقع على اتفاقية سيداو المعنية بحماية حقوق المرأة، غير أن تطبيقها يواجه تحديات قانونية ومجتمعية تتطلب إرادة سياسية وإصلاحاً تشريعياً شاملاً.

التعليم مفتاح التمكين

وأكدت الأكاديمية رغدة عبد المنعم أن التعليم يمثل الركيزة الأساسية لتمكين النساء، موضحة أن أثر التعليم يتجاوز اكتساب المعرفة ليشمل تعزيز فرص العمل والاستقلال الاقتصادي، وأشارت إلى أن التجارب الميدانية في التعليم العالي والمجتمع المدني تؤكد أن تعليم المرأة يمكنها من دعم أسرتها والإسهام الفاعل في بناء المجتمع، سواء كانت طالبة أو عاملة أو حتى امرأة لم تحظَ سابقاً بفرص التعليم.

وشهد الملتقى تقديم عرض مسرحي إنساني بعنوان صوت مخنوق، سلط الضوء على معاناة الصمت المفروض على النساء، ومنح مساحة للتعبير عن القهر والإقصاء وانتهاك الكرامة الإنسانية، وعكس العرض رسائل قوية مفادها أن الأمان الحقيقي يبدأ حين يُسمح للأصوات المقموعة بأن تُسمع دون خوف، وأن الفن يمكن أن يكون أداة فاعلة في كشف الألم وتحفيز الوعي المجتمعي.

دعم المبادرات النسوية

كما تضمن الملتقى تنظيم بازار داعم للمبادرات والطاقات النسوية، بهدف تسليط الضوء على الإبداع النسوي وتشجيع الاستقلال الاقتصادي وتعزيز دور المرأة في التنمية المجتمعية، وشمل البرنامج أيضاً عرضاً رياضياً يعكس قيم الانضباط والسيطرة واحترام الجسد، في رسالة تؤكد أن التمكين يمتد إلى مختلف مجالات الحياة.

يأتي ملتقى ميثاق الأمان في سياق عراقي يشهد تحديات اجتماعية وتشريعية متراكمة تتعلق بحقوق المرأة ومشاركتها في الحياة العامة، ورغم وجود نصوص دستورية تؤكد المساواة وحماية الكرامة الإنسانية، لا تزال النساء يواجهن عقبات قانونية وثقافية واقتصادية تحد من أدوارهن. 

وتشير تقارير محلية ودولية إلى أن العنف الأسري وضعف التمكين الاقتصادي وغياب التشريعات الرادعة تشكل أبرز التحديات أمام النساء في العراق. 

وفي هذا الإطار، تسعى منظمات المجتمع المدني، ومنها منظمة كهرمانة، إلى خلق مساحات حوار وبلورة مبادرات وطنية مثل ميثاق الأمان، بهدف تحويل المطالب الحقوقية إلى سياسات عامة فاعلة تعزز الأمان والعدالة وتضمن مشاركة النساء بوصفهن شريكات أساسيات في بناء الدولة والمجتمع.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية